الصحراء اليوم:الملاحظ الصحراوي
من المفارقات العجيبة في قطاع التعليم في أغلب دول العالم الثالث، والذي يعرف تدهورا ملحوظا ومتزايدا، أن التلاميذ النجباء، أو لنقل الأذكياء يلجون كليات الطب أو الهندسة، بينما يتجه الأقل ذكاء أو لنقل نجابة إلى دراسة القانون والآداب.
غير أن ما يهمنا أكثر هو أولئك الذين لا يتمكنون من إكمال دراستهم، والذين في الغالب يتجهون إلى السياسة، فيتحكمون بالتالي في رقاب كل من الفئة الأولى والثانية، بل أنهم في مسيرتهم يصلون إلى مناصب عليا فيأتمر أصحاب الشهادات العليا والمدارس المصنفة، بأوامر أشخاص لم يصلوا في مشوار تعليمهم إلى المستوى الإعدادي ولنا على الصعيد الوطني نماذج اعترفت بعظمة لسانها، أنها لم تكمل التعليم، منهم على سبيل المثال لا الحصر الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال أعرق أحزاب هذا البلد، زد على ذلك الوزير الحالي المكلف بحقيبة الوظيفة العمومية.
فهذه الأمثلة القليلة والتي تعطي الدليل على نماذج من النخب السياسية التي مقدر لها أن تقود هذا البلد على مسار التنمية، والأدهى أننا نحن من نختار هؤلاء بملء إرادتنا، عن طريق صناديق اقتراع أقل ما يقال عنها أنها لا تملك من الشفافية إلا الشكل واللون.
هذا على الصعيد الوطني أما على الصعيد المحلي، فالأمر أدهى وأمر، فمسيرو الشأن العام، لا يختلفون عن نظرائهم في مدن الشمال، تدفعهم لعبة السياسة القذرة إلى واجهة الأحداث، فيصبحون بقدرة قادر ممثلين لهذا الشعب المغلوب على أمره يشرعون و يصوتون على قوانين، لا يعرفون حتى معنى المصطلحات التي تؤسسها، ويوافقون على ميزانيات ترهن حاضر ومستقبل الجميع.
ولا أدل على هذه النخبة والتي لا يملك أصحابها من صفاتها غير الاسم، نجد ممثل الجهة في اتحاد مقاولات المغرب، الذي ساقته الألطاف الربانية إلى هاته الجهة ليخرجها من ظلمات التخلف إلى نور التقدم والرقي، إنها مسؤولية جسيمة ملقاة على عاتقه والتي تتطلب منه بذل الكثير من الجهد خصوصا معرفة مسارات كل قرش يصرف في هذا المجال و كأنه بذلك يحاول تدارك ما فاته، فالسمة الغالبة على النخب في عموم المغرب وفي الصحراء بالخصوص، أن مراكمة المناصب مهما كانت تفاهتها، تدل على قيمة الشخص وأهميته، كما تزيد من تنوع مداخيله وسرعة مراكمته للثروة مع النفوذ.
وكما يقول المثل الحساني " أخير اللي گبظو الويل وكتلو عن اللي گبظو ورخاه"، لأن هذا الأخير الخارج لتوه من براثين سنين عجاف طبعت سنوات صغره ومراهقته، تجعله رهين الخوف من العودة بأي حال من الأحوال لتلك الأجواء الغير مأسوف عليها، فيصبح أكبر همه ومبلغ علمه جمع ما أمكن من المال في أقل وقت، مع مراعاة بطبيعة الحال مصلحة المواطنين الشرفاء الذين أوصلوه إلى ذلك المكان.
المثال الثاني الذي يمكن أن نستشهد به على ما وصلت إليه الحالة المتردية لعموم النخب في الصحراء، حالة فريدة انتقلت بسرعة البرق كما يقول المثل "من الحمارة للطيارة"، من مستخدمة في دار حضانة للأطفال إلى الإشراف على إحدى أكبر المؤسسات بالجنوب والتي تنشط في مجال التنمية، برأس مال يعد بالملايير، ويعمل تحت إمرتها، مهندسين ودكاترة أفنوا زهرة شبابهم في الدراسة والتحصيل العلمي، بينما لم تضيع صاحبتنا الكثير من الوقت، لتنزل بالمنطاد وتختصر الوقت والجهد الذي كما يبدو كان بدون فائدة تذكر.
ولا تشذ صاحبتنا عن غيرها من نخب المنطقة، في حب مراكمة المناصب والمسؤوليات، ما دفع البعض إلى وضعها على رأس الخبراء في أحد المجالس الوطنيّة، المستحدثة أخيرا، فأصبحت على قدم المساواة مع مفكرين وأساتذة مرموقين.
إن الأمثلة التي جئنا بها كنماذج، ليست حصرية بل إن اللائحة طويلة ولا يسع المجال لحصرها ولكنها تبقى شاهدا على ضرورة إعادة النظر في نظام تعليمي، أثبتت الوقائع فشله ومحدوديته، فإدارة شؤون الوطن لا تتطلب التخرج من الكليات والمعاهد، يكفي أن تعرف قاعدة بسيطة ستنفعك في حياتك المجتمعية والعملية ألا وهي "من أين تؤكل الكتف"؟