الصحراء اليوم:رأي - بقلم:عزيز طومزين.
فى تصريحاته الأخيرة لم يكتف "بان كيمون" الامين العام للأمم المتحدة، بإطلاق عيار صانع للضجة، بل تمادى الرجل حينما تجاوز صلاحياته ليطلق قنبلة لا تصنع فقط بعض «الضجة» بل تحيط مؤسسة الامم المتحدة بالعديد من علامات الاستفهام. فجأة تحول الرجل الاول في منظمة الامم المتحدة إلى متحدث باسم نفسه يقول ما يريد دون مراعاة لمنصبه، ليبدو الأمر وكأن أحدهم فتح الباب لـه لكى يورطه ويعطي انطباعا سيئا عن هيئة الامم المتحدة وهو ما حدث فعلا، ولأن الفرصة كانت سانحة إن افترضنا حسن النية، ومرتبة إن وضعنا سوء النية فى الاعتبار، انطلق "بان كيمون" في الكلام من فضاء الراعي للمفاوضات والوسيط لتقريب وجهات النظر إلى فضاء القضاء في قضية عمرة طويلا ليصدر حكما منحازا وليس تقويماً، الجزء الأخطر فى تصريح "با كيمون" الخاص بأنه قال ما قال ولم يطرح لنا دليلا أو يوثق اتهامه بمعلومة،او يحدثنا عن المعايير التي استند لها للحكم على المفاوضات بالتعثر وتغليب مقترح على اخر، قالها وهو يظن أنها كفيلة بإبعاده ومنظمته عن دائرة السؤال.
فى بضعة دقائق فقط يمكنك أن تملأ صفحة كاملة بالملاحظات على تصريحات امين عام الامم المتحدة، ولكن يمكنك أيضا أن تسأل دون توقف أين دبلوماسيتنا العظيمة بشقيها الرسمي والموازي؟أين المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحروية؟أين ذهبت كل الاموال التي صرفت لتعزيز دور الدبلوماسية الموازية في قضية الصحراء؟لماذا تنتصر علينا مجموعات قليلة من الافراد وتحرجنا في معظم المحافل الدولية والتي كان اخرها مؤتمر اتحاد الشبيبات الديمقراطية عبر العالم، المعروف اختصاراً ب “اليوزي” ؟الأسئلة كثيرة والملاحظات أكثر ولكن ما تم قد تم، وأصبح للمغاربة خصم جديد ينضاف إلى الشقيقة الجزائر هو السيد "بان كيمون" الذي تنتظرنا معه معركة ربما تكون قصيرة زمنيا بسب قرب مغادرته منصبه،ولكنها مهمة جدا على المستويات كافة. لذا يخبرنا الواقع أن جميع الملاحظات والاسئلة أفضل لها الضم فى ملف واحد ومنحها ما تستحقه من وقت وجهد ، ومن ثم الخروج بتصور واضح لكيفية التعامل مع هذه القضية ليس بالعودة الى نفس الحلول والصراخ في الشوارع والفضائيات وتحت قبة البرلمان لان كل ذلك لا ينفع.
هنا نسأل سؤال مكرر: كيف يمكن حل قضية الصحراء دون مشاركة أهلها؟ كيف يمكن حل قضية الصحراء وأهم عنصر فيها "الشباب" يهدم، وتدمر طاقاته وامكانياته؟! لا يمكنك أن تحل قضية على أطلال الصرخات تحت قبة البرلمان أو في استديوهات القنوات،الصراخ اصلا لا يحل مشكلة، ولا يدمر من هم ضدك، لم يفعل الصراخ شيئا في وقائع سابقة والدليل على ذلك أنها تتكرر كأنها منسوخة بالكاربون، الوضع الآن صعب، الكل مرتبك، والدولة تسير بمفردها،الاحزاب السياسية مشغول أهلها بمعاركهم للاستحواذ على السلطة ،والاعلام الرسمي ومعظم الصحف لا يتابعها أحد ، أما قضية الصحراء نفسها والدولة ذاتها فلا تجد من يقدم لهما دعما حقيقيا أو نصحا مخلصا. كلنا مرتبكون، الدبلوماسية ضربوها فى الخلاط الكهربائي، وتاهت معالم خيوطها وأصبح كل باحث عن مارب شخصية دبلوماسي، وتحول الذين كانوا يجلسون تحت أقدام امناء الاحزاب إلى سفراء ودبلوماسيين كبار، الوضع صعب ياسيدى، ومعايير الخلطة الدبلوماسية اختلفت، وبعد أن كانت فى الماضى تتكون من اشخاص يفكرون بهدوء وبصوت خافت ويبنون موقف منطقي متماسك مقبول لدى المتلقي ، أصبحت تتكون من أصوات نائمة معظم الوقت،تصرخ بعد تحفيزها بتصريح مستفز وبكلام تافه ومكرور.
ختاماً،الحقيقة الاولى أن من يدعون أنهم يدافعون عن قضية الصحراء في المحافل الدولية لا يصدقهم أحد وأن كلامهم يدخل من الأذن اليمين، ويخرج من الشمال دون أى تأثيرعلى سامعه،والحقيقة الثانية أن من يطالبون بحق الشعوب في تقرير مصيرها يسبحون في الغيوم لأن الغرب سنة 1919 بباريس(مؤتمر فرساي) عندما دعا باسم عصبة الامم إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها ،كان هو نفسه وفي ذات الوقت يحتل دولا بالاضافة إلى ما كان يحتله.
اخر الكلام:لا أعرف لماذا يصرخ البرلمانيون والسياسيون والدبلوماسيون ويجعجعون بشجاعة، بينما كنا فى أشد الحاجة لهمسهم من قبل ولم يفعلوا؟ يا سادة اقرأوا لتعرفوا أن الصراخ ليس بطولة،وأنه لا يحل مشكلة،واعلموا أن الهدوء والتفكير والبناء أهم بكثير من الصراخ.