الصحراء اليوم:رأي
عندما ضربت الإعتداءات الإجرامية فرنسا مطلع السنة الحالية مستهدفة مجلة "شارلي إيبدو" سادت أجواء من الشك والريبة حول الجهات الحقيقية التي تقف وراءها وذلك بسبب عدم انسجام الرواية الرسمية حينها مع الوقائع على الميدان واستنادا أيضا إلى عدة قرائن لعل أهمها تواتر أنباء من الجيش السوري الحر تفيد بمقتل الأخوين "كواشي" -المتهمين الرئيسين في الهجوم- في فترة سابقة لتلك الإعتداءات بسوريا!، هذا إضافة إلى كون الخسائر البشرية كانت محصورة تقريبا في هيئة تحرير "شارلي إيبدو" وهنا كانت نظرية المؤامرة مسألة مقبولة إلى حد بعيد.
اليوم وقبل متم سنة واحدة من الإعتداء الأول يعاد ضرب فرنسا مرة أخرى وبشكل أشد عنفا وبخسائر فادحة في الأرواح تجاوزت هذه المرة المئة وعشرين ضحية، فهل يمكن منطقيا قبول أن تكون المخابرات الفرنسية متورطة في العملية كما تم إتهامها سابقا ؟
لكي نجد جوابا شافيا لهذا السؤال سنحاول التحدث بلغة المصالح التي تعتبر المحدد الأول والأخير لتوجهات الدول الغربية، فما المقابل الذي ستجنيه فرنسا من الهجمات الأخيرة إذا افترضنا أنها من تدبير مخابراتها فعلا ؟
وهل ذلك المقابل يتناسب مع الأضرار التي ستلحق بها جراء الهجمات ؟
الواقع يقول أن فرنسا من القوى الكبرى المشاركة في كل الملفات والقضايا الدولية، من حروب الخليج إلى مكافحة مايسمى الإرهاب ومن قضية فلسطين إلى الأزمة السورية، و من ملفات الإحتباس الحراري و الحفاظ على البيئة إلى الملف النووي الإيراني ...، كما تنفرد عن غيرها بنفوذ كبير بالقارة السمراء إفريقيا.
وبالتالي ماهو مبرر ضرب فرنسا لنفسها و قد ثبت أنه يكاد لايوجد شأن دولي أو إقليمي إلا و لفرنسا تواجد وتدخل فيه ؟
هذا من جهة ومن جهة أخرى وبالنظر إلى الخلل الأمني المخيف الذي كشف عنه الإعتداء و العدد الكبير للضحايا من قتلى وجرحى وتداعياته المتوقعة على الإقتصاد، تصبح مسألة التدبير المخابراتي الفرنسي للهجمات مسألة معتلة وذات حجج ضعيفة أو على الأقل في حاجة لإعادة النظر.
فهل يعقل أن الدولة التي عرفت أول ثورة من أجل حرية الإنسان وصون كرامته ستستخدم أرواح مواطنيها من أجل مكاسب سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو حتى استراتيجية ... ؟
لاشك أن أي مكسب أو مقابل من أي نوع لن يعوض الضرر و الآثار النفسية والمادية التي مست فرنسا في هيبتها وسمعتها، بل كيف ستقنع المخابرات الفرنسية أصلا عميلا أو أكثر مهما كان ولاؤه لها بأن يفجر نفسه من أجل تنفيذ أجنداتها ؟
خلاصة القول أن الدول الغربية وخاصة تلك الفاعلة منها على المستوى الدولي والمؤثرة في مجال العلاقات الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والتي تعرضت كلها لإعتداءات إرهابية متكررة، لم يخطر ببال زعمائها وهم مهندسوا و مدبروا سياسات الفوضى الخلاقة أن نتائج خططهم لتفتيت العالم الإسلامي وتقسيمه عبر زرع الفتنة الطائفية وتمويل الجماعات المتطرفة و سكوتهم عن إلتحاق مئات الشباب الأوربي بسوريا والعراق وأفغانستان قبلهما للقتال هناك، لم يخطر ببالهم أنها -أي خططهم- ستنفلت عن المسار الذي وضعوه لها وترتد عليهم بنتائج عكسية كارثية وأن كرة النار التي أشعلوها في الشرق الأوسط ستتدحرج وتتوسع شيئا فشيئا لتشمل حرائقها بلدانهم نفسها.
فهل سيستدرك الأوربيون الأمر قبل فوات الأوان أم أن الزعماء الحاليين سيصرون على الإستمرار في نفس السياسات التدخلية وماتنتجه من تطرف وتطرف مضاد و جر العالم نحو مزيد من الدماء ؟
في الختام لاشك أن كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية بل وكل من تسري فيه ذرة إنسانية سيدين وبشدة إستهداف المدنيين وقتل الأبرياء أيا كانت الأسباب والدوافع.