الصحراء اليوم:بقلم : الحسين بوحريكة
يتحدث البعض على أن الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية بداية 2011 ، والتي سميت بالربيع العربي في وسائل إعلام كثيرة قبل أن تطفو قضية الإنتفاضة السورية التي بدأت سلمية من أطفال درعا بالجنوب، والتي أضافت الخريف إلى مختلف التسميات الأخرى خاصة مع تصاعد حدة القمع من قبل النظام الشمولي ، ودخول البترودولار على الخط ، ومصالح القوى العظمى التي لا تختلف كثيرا بين روسيا العائدة من جديد ، والصين الصاعدة حديثا ، والقوى الغربية التقليدية "أوربا والولايات المتحدة الأمريكية "..على أن مقولة الشعب يريد إسقاط النظام إنتهت ، وهذا المطلب لا يعني شخص ، فالتونسيين عندما إنتفضوا لم يكن هدفهم تغيير بن علي وحده ، ولكن إسقاط النظام الذي فقرّ وإعتقل ، وهجّر ونهب ، ودمر بُنى الدولة الوطنية ذات الإمتداد القومي ، نفس الأمر مع مصر وليبيا واليمن ..، وإن كانت الحالة التونسية أقل ألما من مصر التي عرفت إنقلابا دمويا لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا له خاصة مع إرتكاب الإنقلابيين مجزرة مزدوجة في كل من رابعة والنهضة والتي راح ضحيتها آلاف البشر ممن يحلمون بوطن حر سيادته بين أيدي مصرية ، وفي اليمن حيث التكالب على مصالح الوطن بين قوى إقليمية بدون سيادة ، مع قوى إقليمية تساوم ،وليبيا التي ما إن تخرج من أزمة حتى تقع في أزمات متعمدة مدفوعة من قوى إستخبارتية مختلفة تتصارع داخل وطن خرج من الإحتلال الأجنبي ودخل إلى إستعباد عائلة ليس لليبيا الوطن في قاموسيها معنى ومسؤولة عما وصل إليه الوضع ،ألم يكن ممكنا تحويل ليبيا إلى دولة مؤسسات لا دولة شخص ملك ملوك إفريقيا؟..هذه التفاصيل وأخرى دقيقة عرفتها بعض مناطق المعمور ويكفي ذكر جورجيا والثورة الوردية ، وقرغيزيا وثورة الزئبق ، و أوكرانيا والثورة البرتقالية التي وقعت أواخر نوفمبر 2004 ، وبعد تسع سنوات وبالضبط نوفمبر 2013 خرج الأوكرانيين من جديد في إنتفاضة عارمة قسمت البلاد بين الشرق والغرب ، وظهرت أقاليم تطالب بالإستقلال ..السؤال هنا ألم يكن من الممكن تجاوز الأخطاء القديمة أي التي سبقت الثورة البرتقالية في سنة 2004 ووضع اليد على الإشكالات التي تهدد وجود الدولة ؟ النتيجة اليوم أن مستقبل أوكرانيا مرهون بأياد خارجية أكثر من أي وقت مضى ..
إن إستحضار بعض الوقائع خارج منطقة ربيع 2011 الهدف منه تحديد الأبعاد المتحكمة في مسار الإنتفاضات العربية كمثيلاتها في مختلف أنحاء العالم ، والحالة التونسية مثالا واضحا ؛عودة قوة نظام بن علي في إنتظار عودة الأخير وعائلته بقرار برلماني غير مستبعد ، وهوالأمر نفسه في تبرأة محمد حسني مبارك وباقي المتهمين بقتل ثوار 25 يناير 2011 ، لتعوذ المنطقة إلى ما قبل الربيع وهي العودة التي لن تُسقط شعار الشعب يريد إسقاط النظام ، لكن الخوف من أن يتكرر سيناريو أوكرانيا التي فقدت الشرق ..، ربما الإختلاف وإن وجد ليس بالعميق بين أنظمة لا تملك إرادة في تدبير أمور وطن بحكم تبعيتها بالكامل للخارج ، وأحيانا بممارساتها الهادفة إلى تكديس الثروة بشكل غير مشروع ينعكس سلبا على قدرة البلد التنافسية ، وبالتالي على مستقبله بين مختلف البلدان ..، والحالة المغريبة لا يمكن إخراجها عن هذا المسار فوقائع ثابتة لتجاوزات عميقة همت مختلف القطاعات المالية " إختلاس الملايير من المال العام في مؤسسات عامة وشبه عامة وخاصة " دون أن تحرك الجهات المختصة ساكنا ، وفي القطاعات الإقتصادية والبنية التحتية " كالمكتب الوطني للماء الصالح للشرب والكهرباء " وقطاع الرياضة والصحة والتجهيز وغيرها ..من التي تَصُب فيها الدولة المال العام ..وقد كشفت الفيضانات الأخيرة التي جعلت كليميم منطقة منكوبة وباقي مناطق الجنوب والجنوب الشرقي عن فداحة نهب المال العام حيث ذهبت أموال تقدر بالملايير إلى حسابات خاصة لعائلة أصبحت في أقل من عشر سنوات من بين الأثرياء في بلد يموت فقراءه في الأودية ، وفي قمم الجبال حيث البرد القارس ، ولم تحرك الجهات المسؤولة ساكنا ، ومعروف أن كل الإنتفاضات العربية وقودها الجنوب حيث البؤس والقمع !! وهنا يطرح السؤال أليس من الممكن بعث لجنة تبحث في كيف وصلت مياه الأودية إلى المنازل البعيدة وسط المدينة وفي جوانبها الشرقية التي من المفروض أن تكون مؤمنة بحكم بعدها عن مجرى واد أم العشارالغاضب ـ وحديثي هنا ..كليميم على سبيل المثال ـ لولا تجاوزات وإختلالات خطيرة تهدد كيان المنطقة مستقبلا..،فالأودية إقتطعت مساحات مهمة منها وأستخرج لها صكوك عقارية نهائية ضدا على القانون كما وقفت على ذلك بعض الهيئات الحقوقية المحلية ، وهي تدق ناقوس خطر بدأ ولن ينتهي لأن الأمر يتعلق بمنطقة ، وساكنة لها أمل في مستقبل يأملون فيه خيرا ، ولكن مسؤولية الدولة كبيرة لأن الفساد سبب رئيسي لتأخر المجتمعات وتفكيكها ، ولابد من ربط المسؤولية بالمحاسبة وفق القانون ، وأن يكون هذا الأخير على رقاب الضعفاء دون غيرهم ممن يدّعون حماية جهات عليا لازالت تطالبهم بضبط النفس..، ألم يحن الوقت لمحاسبة الذين يعبثون بالسلم الإجتماعي أصحاب المصالح الخاصة، والأنانيين ، والمرتزقة الحقيقيين الذين ذمروا حُلم أجيال في العيش الكريم ، وسخروا لذلك أجهزة ، ومؤسسات عمومية يتقاضى العاملون فيها رواتبهم من المال العام وهي في خدمة تلك المصالح الضيقة غير القانونية لأولئك المتسلقين ..والسؤال الآخر مالذي يمنع من تحريك ملفات توصل بها وزير العدل والحريات تخُص مدينة كليميم المنكوبة والمنهوبة في آن أم أن هناك حسابات سياسية لا زالت تعيق تحقيق العدالة في منطقة جُرحها ينزف دمارا وتخريبا في كل شئ إلا في إرادة ساكنة قُوتها مستمدة من عزمها لفظ المفسدين كما صاحت حناجرهم في مناطق مختلفة من أحياء المدينة المنكوبة " عبد ....هو السبب.." في حديثهم عمّن يتحمل مسؤولية نكبة كليميم ..
أم أن الحناجر لا قيمة لها..، ولغة غير مفهومة عند من يحكم ..أم من يحكم ؟ لازال سؤالا يحتاج إلى إجابة !!!