الصحراء اليوم:رأي
ما ان قرر ملك المغرب توقيف عمل وزير الشبيبة والرياضة في المغرب حتى انقلب خطاب حزب الحركة الشعبية رأسا على عقب وبدأت الحكومة ترفع من خطابها الإصلاحي, وغابت تهديدات حزب السنبلة من الخروج من الحكومة وإنخفضت صوت المرأة القوية (حسب تعبيرهم) في حزب أمحمد العنصر. لكننا كمهتمين ومحلللين لشأن المغربي نأخذ هذه الخطوات كدليل حقيقي وكدليل مادي على غياب إرادة الإصلاح الحقيقي سواء لدى الأغلبية أو المعارضة, وأن المنصب هو الغاية وإن تعددت الوسائل و الأليات. بعد المنصب تأتي سياسة المحافظة على الكرسي بأي ثمن كان بل إتضح لكي يصل سياسي مغربي لمنصب حكومي عليه أن يدخل في منظومة مليئة بالفساد السياسي ويدافع عن هذه المنظومة طبعا بمصطلحات ديموقراطية وإصلاحية وأحيانا حتى دينية.
أمام هذا الواقع المرير لشعب تم تفقيره فالشعب المغربي لم يولد فقيرا بل الفطرة ولم يولد عاطلا ولم يولد ببنية تحتية هشة ومزورة, بل شعب له تاريخ عظيم من حيث البناء السياسي والثراث العمراني, كما له الكثير من العلماء والمفكرين. ولعل ظهور الأندلس وقوتها العمرانية أذاك كان لسياسي ولصانع المغربي قوة كبيرة في ذالك.
المغرب اليوم تعشش فيه الفساد السياسي, بل تحاول الحكومة أن تجعله جزء أليات الحكم وتشرعنه, مثل مقولة : عفا الله عما سلف. أو مثل تقلبات حزب الحركة الشعبية تجاه فضيحة وزيره. لو كانت الأحزاب لديها ضمير سياسي تجاه وطنها وتجاه شعبها لكانت هي السباقة لإقتياد ووزرائها ونوابها للعدالة, احتراما لمبدأ الميثاق السياسي الذي يربط بين السياسين والشعب بين الحاكم والمحكوم.
قرار ملك المغرب قرار مهم ويحسب لملك البلاد, لكن هل سيتبعه قررات من هذا النوع خصوصا ونحن نعلم أنه هناك وزراء ونواب ومستشارين وؤساء مجالس بلدية غارقين في الفساد منذ عقود ليس مثل الوزير أوزين الذي بدأ يضع يده في كعكة الفساد فصعقه التيار. كما أن نتمنى أن تكون إقالة الوزير لا علاقة له بصراعه داخل الجامعة المغربية لكرة القدم مع لوبيات تحتكرها منذ الثمانينيات من القرن الماضي.
فيضانات ملعب المولى عبد الله لا تساوي شيء مع فيضانات مدينة كلميم التي قتلت قرابة أربعين شخص, وسط بنية تحتية هشة, جعلت من المدينة مدينة منكوبة تفترش ساكنتها الأرض وتغطيها سماء المملكة المليئة بالمتناقضات, لا أظن أن من يسهرون على الشأن المحلي بكلميم سيقالون كما انني مقتنع أنهم لن يقدموا للعدالة على اعتبار أنهم ينتمون لحزب الإتحاد الإشتراكي, ومادامت وزارة الداخلية قد أهدت جهة كلميم سمارة للإتحاد الإشتراكي عندما كان الوالي المعزول علي كبيري والي على مدينة كليم الذي زور الإنتخابات ورسخ الفساد كما رسخه الرئيس الجزائري بومدين في الصحراء المغربية. والتي أصبحت فيها المواطنة بالمقابل والإنفصال بالمقابل للأسف الشديد. ساكنة كلميم المنكوبة لم يزورهم رئيس الحكومة....ويتحدثون عن مفهوم المواطنة. وربط المسؤولية بالمحاسبة.
الجهوية الوسعة التي يتحدثون عنها ستكون جهوية لتوسيع الشبكة الإقطاعية للأحزاب, وعليه توجب على الشعب المغربي أخد الحيطة والحذر من الجهوية الموسعة التي يروجون لها بإعتبارها ستجعلنا دولة المماليك. مثل مملكة شباط في فاس ومملكة عبد الوهاب بلفقيه في كلميم وهلم ماجرا... لن يستقيم مفهوم الجهوية إلا بتطهير وزارة الداخلية من المفسدين فتلاميذ إدريس البصري يعرفون جيدا كيفية الغنى الفاحش وأسرع طريق إليه والحفاظ على مصالحهم في هذه الوزارة. والجهات العليا غضت الطرف عقود من الزمن حتى تظل محافظة على الإستقرار. (حسب ظنهم طبعا). اليوم أصبح المغرب جزيرة تحت بركان من الفساد بدأ دخانه يتضح من قمم الشعب, والإنتظار سيولد الإنفجار لا محالة, والحل هو الإستمرار على نهج قضية الوزير أوزين. أما أن تقف المسألة والمحاسبة عند أوزين فقط وهو الجديد في الساحة السياسية فهذا حق يراد به باطل, هناك تصرفات أكثر سوء من تسيير أوزين. وهناك مسؤولون يمارسون الفساد منذ أن كان أوزين رضيعا لابد أن يكون لهم نفس مصير أوزين إن لم يكون أسوء.
الشعب المغربي غائب عن السياسة الرسمية وغير مقتنع بها. وهذا ما يسمى ببداية انهيار مفهوم الدولة. شعب العنصر الأساس في مفهوم الدولة, والشعب المغربي هجرت منه الملايين بسبب الفقر والظلم, وتتظاهر منه الملايين سواء علنيا او سريا, وتوجد داخله حركات متعددة ساخطة على الوضع.. والغريب هو أن الحركات الإرهابية في العالم أصبح معظم شبابها مغاربة... أمام هذا الواقع المؤلم فرض على من بقي لذيه ضمير وطني أن يفكر بلغة الوطن والعقل ويصلح مايمكن إصلاحه قبل فوات الأوان. المغرب لا بد له من سياسة ردع الفساد السياسي الذي تحميه الدولة, المغرب مجبر أكثر من أي وقت مضى أن يصلح العدالة إصلاح جوهري وبنيوي يتماشى ومتطلبات الشعب من جهة ومتطلبات المجتمع الدولي من جهة ثانية. مستشاروا ملك المغرب عليهم أن يوضحوا الصورة أكثر دقة لملك البلاد كما وضحوا صورة أوزين لدى الملك قبل فوات الأوان.
محمد الفنيش ـ بريطانيا
[email protected]