الصحراء اليوم : رأي
في الوقت الذي انتشرت فيه مخاوف من إصابتنا بداء الإيبولا، وكدا مخاوف من هجمات داعشية محتملة، أصبنا على نطاق واسع بداء فقدان المناعة ضد الفساد والاستبداد ، بآلياته وميكانيزماته التخويفية التكليخية ، التفقيرية ؛ لم نعد قادرين حتى على الشك ، فما بالك بالاحتجاج ورفع شعار الشعب يريد...، العهر والاستحمار يحاصرنا في كل مكان.. في الصحف في المجلات، في الإذاعات ، في التلفزيونات، بالتلاعب باللفظ والكلمات ، تعرضنا لعملية تزييف وعي ، وأصبحنا مجرد بلهى وبلهاوات ، تستعصي على فهمهم حتى الواضحات ، التي يقال عن شرحها أنه من المفضحات.
هاته الأيام تصدر "واد الشراط " المشهد من جديد، بعناقه لأحمد الزايدي وعبد الله باها ، بعد غياب طويل واضمحلال في التاريخ ، منذ زمن المهدي بن بركة ؛ الذي تعرض هو الآخر لمحاولة اغتيال به سنة 1962.. احتلال للصدارة وشهرة لا تضاهيها إلا شهرة داعش وتنظيم القاعدة، فأمامه تحطمت كل الأطروحات والنظريات، وتلاشى أمامه من يعمل على الإصلاح أو التغيير التدريجي، كما تلاشى من يعمل على التغيير الجدري، اليوم أصبح واد الشراط من القصص المرعبة التي يوصي أطباء الأطفال بعدم قراءتها للأطفال قبل النوم، لأنها قد تصيب الطفل بمرض الشراطفوبيا، ذلك المرض الذي عجز الطب الحديث عن إيجاد علاج له، لكن وأمام هذا الوضع الخطير الذي لا ينفع معه الانسحاب من تنظيم كأس الأمم الإفريقية ، كما هو الحال مع الإيبولا، نتساءل من هو هذا الشراط؟ هل هو : أحد أبطال قصص العفاريت والتماسيح الموضوعة على رف الجد بن كيران؟ أم هو شخصية واقعية تريدنا أن نعيش بشروط، وبشكل قهري مبالغ فيه، لأن حجم سلطته يجعله فعال لما يريد؟
أمام لغز الشراط ؛ الذي كثرت حوله التكهنات، وتعددت حوله التفسيرات، نقف مشدوهين أو خاشعين ، كأننا في صلاة، نعد ضحايانا /قتلانا ، ونردد عبارات العزاء لأقارب كل فقيد، أو نتشفى بالسر أو العلن ، لأن الضحية لم يكن من الزبناء الأوفياء لدكاننا، أو لأنه بقال ينافسنا ، أو يبيع بضاعة محرمة ، أو مكروهة بالنسبة لنا، فيتشتت الزبناء ، ويزيد جوعهم المادي والروحي ، فيلقون بأنفسهم في حضن الإرادة ؛ التي تتصدر مع الشراط المشهد وتعدنا بصلة الأرحام، إرادة الإرهاب والتكفير التي تعد بجنة في السماء عجز الشراط عن ضمانها لهم في الأرض.
لم نكد ننسى أو نتناسى الزايدي حتى ودعنا باها ، الذي لطالما عبر أن الشراط هو من يكرس آليات عجزنا وتقهقرنا، لضمان استمراريته وجريان نهره.
الشراط اليوم، يتأبط شرا، ونحن نقدم قرابيننا ، ونرفع دعواتنا للآلهة لاتقاء غضبها، كما كان يفعل المصريون القدامى مع نهر النيل، ونستمر بتفسير معاناتنا وفاجعاتنا ، تفسيرات ميتافيزيقية وغيبية تعبر عن سذاجتنا وبلاهتنا ، أو تعبر عن مخاوفنا وجبننا، فالحكيم عبد الله باها فاجأه القطار!! لأن القطار نملة، أو كائن ميكروسكوبي لا يرى بالعين المجردة ، الشيء الذي هزم حكمة الحكيم ، أو أن الحكيم من الصم والعمي الذين لا يستشعرون ضجيج القطار، أما أحمد الزايدي ذلك الإنسان الذي يتقن السباحة السياسية ، فقد عجز عن السباحة في بركة صغيرة !! واكتفى بترديد لحن إني أغرق.. إني أغرق، ليرسل لنا رسالة من تحت الماء ، توصينا بالمضي على درب نضاله ونضال أولائك الذين بدلوا الغالي والنفيس، وقدموا أنفسهم قرابين لكي نعيش نحن، ونحيا في مغرب صالح للعيش.
الشراط يحبنا ، حب القط للفأر، أو أن بطانته وحاشيته من الأشرار والعفاريت والتماسيح ، بين هذا وذاك ، نكتفي بخطابات إنشائية ونجتهد في تقديم تعزيات بليغة أحيانا وغبية ومسطحة أحيانا أخرى، تعزيات تتمتم بكلمات من قبيل لا تحزن يا ولدي فالشراط عليك هو المكتوب .. أو ترديد كلمات من كتاب لا تحزن لمؤلفه عائض القرني .. لينتهي العزاء وتنتشر صورة الشراط الجبار القهار في مخيلات المعزين من السياسيين وزبنائهم ورواد دكاكينهم، ويشعروا بضحالتهم أمامه، ويكتفوا بخدمة بؤسهم، وإحكام أغلال أعناقهم، أو الاكتفاء بالتسبيح بحمده، فيضمحل شعار الشعب يريد...، بين الحقيقة والادعاءات.
كاتب المقال: براهيم صيكا