الصحراء اليوم:رأي
بداية أرفع التعازي بإسمي ونيابة عن لجنة المدافعين عن حقوق الإنسان إلى الذين فقدوا عزيزا ، ونسأل الله أن يتغمدهم برحمته ، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان ، وإنا لله وإن إليه راجعون ..
إن الكتابة في موضوع كهذا في هذه الظرفية الحزينة جاء إنطلاقا من إحساسنا بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا كهيئات حقوقية ، وكذلك تفاعلا مع النقاش الدائرفي أوساط رواد الشبكة العنكبوتية ، وخاصة حول الصور والفيديوهات المؤثرة للضحايا وبالأخص الذين إنتظروا الإغاثة لساعات طويلة ، ولم يجدوها ، فأين هي الدولة ؟
هذا السؤال هو عمق الإشكال ، وللإجابة عليه لا يتطلب أكثر من البحث في ذاكرة الأيام بمنطقة وادنون على الأقل ، وسأعود بالذاكرة إلى الوراء من باب المقارنة ، ففي ثمانينيات القرن 20 كانت المنطقة معرضة للنكسات الواحدة تلو الأخرى وضحاياها كثر لا يتسع المجال لذكرهم ، وكانت الدولة دائما تتحجج بضعف الإمكانيات ، وفي المقابل كان الأهالي يواجهون المخاطر فينقذون ، ويساعدون ، ويقسمون اللقمة فيما بينهم ومع عابري السبيل ، وبقي الحال على ماهو عليه لأزيد من عقدين من الزمن ، فكانت المساعدات التي تقدمها الدولة محتشمة ، ومتأخرة ، ولا يأتي منها إلا ما أستطاع أن يفلت من أيدي من أوكل لهم تقديمها ووقائعها كثيرة للتاريخ الذي لا ينسى ..( هدمت بيوت ، ودمرت أراضي زراعية وأبيد قطعان الماشية ، و جرفت أمتعة منازل ، وضحايا في البشر .. ، ولم يقدم لهم غير الكلام الكثير إلى أن تنضاف مأساة ..لمآسيهم ...) وأستمر نفس الخطاب إلى اليوم رغم ماوصل إليه العالم من حولنا ، نفس الأسلوب في الكلمات ، والحركات ، والوجوه ، وعلى نفس طريق الكسب غير المشروع.. أموال مرصودة للبنية التحتية للوقاية من الكوارث ، وتنمية المنطقة ..تتقاسمها تماسيح هنا ، وعفاريت هناك في عاصمة القسمة ..هي أموال لشعب لا زال يعاني ويلات الفقر ، والبطالة ، والأمراض المختلفة ..، ولا يقتصر على ما هو مادي بل حتى ماهو تنظيمي ، فهذه الفاجعة الكبرى التي ألمت بالمنطقة من الممكن وقفها لو كان جهاز الدرك في مستوى اليقضة المطلوبة في هكذا حالات ، وإلا كيف يسمح لسيارات بالمرور من قناطرمنحدرة تغمرها المياه بسهولة كبيرة جدا ، هل سيسمح لسيارة بإكمال المسيرمثلا ..تجاوز صاحبها السرعة المسموح بها دون تغريمه مخالفة ، وأحيانا الحجز على السيارة و وسائل أخرى يعرفها رواد الطريق ، أم أن الأمر مرتبط بأناس لا نبالي بهم إلا عندما نريد أن نسوق خطابا للخارج أو ما يسمى بلغة المصالح الأصدقاء للإستفاذة من قروض هنا وهناك في عمليات الأستفتاء ، والإنتخاب أو عند تعرض مصالح الأغنياء للخطر ..ألم يكن من الممكن أن تتحرك وزارة التجهيز بإمكانياتها صوب مختلف النقط السوداء لوقف الكارثة في إطار المسؤولية ، وتتحرك أجهزة الدولة السرية والعلنية ، ومسؤولوا الولاية والجيش ، والقوات المساعدة ، وأجهزة الشرطة ، ألم يكن ممكنا تكاثف جهود مختلف المصالح من أجل وقف أو على الأقل تخفيف الكارثة ، ألم تظهر مسؤولية المنتخبون في سوء التسيير ، وسوء إدارة الأزمة ، ومن خلال التطبيل للتنمية والتغييرالذي لا وجود له إلا في عقول من يسعون إلى نفخ الأرصدة الخاصة التي وصلت حد التخمة ..لقد ظهرت أن الأموال التي صرفت وتتجاوز 300 مليار بإقليم كليميم ( كليميم المدينة وبويزكارن ، تيمولاي وتكانت ، والقصابي ، وأسرير ، وواعرون وتغمرت وغيرها ) وهذه الأموال لم تنفع مع أول محنة حقيقية خلال الخمس سنوات أي منذ بدء برنامج التأهيل وتنمية الإقليم ، هل ماوقع سيساعد على جلب رؤس الأموال كما يدعي رؤساء المجالس المنتخبة ..بكل تأكيد لا ..لأن رأس المال جبان بطبعه ، ويحتاج إلى ضمانات ، فكل المرافق تأثرت مع العلم أن نسبة الأمطار التي تساقطت لم تتجاوز 30ملمتر ، كيف لأي مستثمر أن يطمئن على أمواله في ظل وجود عقليات تفكر بأنانية مطلقة تغلب المصالح الخاصة على المصلحة العامة ..لقد فضحت التساقطات هذا الخطاب البئيس والمفلس ، وأظهرت أن النداءات التي كانت تطلقها الهيئات الحقوقية المحلية مبنية على وقائع ثابتة لتجاوزات وإختلالات مست مختلف أشكال تدبير المرافق بالإقليم .
إن هذه الفاجعة تتطلب منا اليوم وبشكل عاجل فتح تحقيق معمق يستهدف بحث مكامن الخلل وتحديد المسؤوليات ، وتحميل المخلين ، والمقصرين المسؤولية ، وإتخاد الإجراء القانوني المناسب تماشيا مع ربط المسؤولية بالمحاسبة ، وهوفي نفس الوقت رسالة إلى ذوي الضحايا المكلومين ، أن القانون لا يستثني أحدا ، وأن الوقت لمن يريد أن يبني لا أن يهدم ويعرض حياة الناس ومصالحهم للخطر، لابد من تكريس دولة المحاسبة ، فهذه مصالح وطن لازال يئن تحت وطأة لوبيات ماكرة تشتغل ليل نهار في تهريب أموال الشعب ، فحسب إحصائية بنك التسويات الدولية حجم الأموال المهربة من المغرب تتجاوز 10 مليارات دولار في السنتين الأخيرتين ، وهذا بكل تأكيد يهدد مستقبل البلاد ، ويرهنه لعقود طويلة للدائنين الذين يسعون إلى تحطيم كل أمل في الإقلاع نحو التنمية والتقاسم العادل للثروة .
بقلم : الحسين بوحريكة