الصحراء اليوم : متابعة
يبدو أن قضية فرار الشابة الصحراوية "محجوبة محمد حمدي داف" خلفت وضعا أمنيا خطيرا بمخيمات اللاجئين بعد إقدام العشرات من الشباب و النساء المنتمين لقبيلة "الرقيبات لبيهات" على تنظيم سلسلة من الاعتصامات أمام مقر "الأمانة الوطنية" بالربوني للدولة الوهمية البوليساريو، جوبهت بتدخل عنيف من طرف القوات البوليساريو ، التي عمدت إلى اعتقال العشرات من الشباب لإيداعهم بسجن الذهيبية (تقرير مفصل لهذه الأحداث سنوفيكم به في الساعات المقبلة).
و علاقة بنفس الموضوع، اجر الصحفي الإسباني "باكو ثيردا" حوارا مع الشابة "محجوبة محمد حمدي الداف" تم نشره على الجريدة الالكترونية الاسبانية www.levante-emv.com، و هذه ترجمة كاملة للمقابلة الصحفية :
هل تشعرين بالطمأنينة أخيرا؟
نعم، لكني ما زلت لا أفهم ما حدث، و بما أني كنت في مخيمات تندوف لم أكن على علم بكل ما وقع في إسبانيا و تلك المجهودات التي بذلها الجميع بهدف إخراجي من هناك.
ما الذي فاجئك أكثر؟
هو ذلك الكم الهائل من الناس المتضامنين الذين التفوا حولي لمساندتي. فعلا إنه أمر لا يصدق!
كيف تم هروبك من المخيمات؟
أعاد لي والدي جواز سفري...
كان ذلك طوعا منه؟
نعم، طوعا.. إذ أني لم أكن مضطرة للسرقة أو فعل شيء غير مناسب: والدي هو من أعاد لي جواز سفري، و كنت اعرف انه سيطلبه مني مرة ثانية. أظن انه بإعطائي جواز السفر كان يريد من ذلك أن يمتحن مدى ثقتي به، و هذا الأمر كان متوقعا. كما أني لم أتحمل بان أبقى على هذا الحال مدة أطول لان كل المفاوضات مع عائلتي لم تنجح.
هل تم تفاوض معها من قبل السلطات الصحراوية و كذا الإسبانية؟
لا أعتقد أن السلطات الاسبانية بإمكانها الذهاب إلى المخيمات، فقط كانت هناك محاولة لأ"باتيستي" ( الأب الاسباني المضيف) عندما قدم إلى المخيمات للتفاوض مع والدي لكن دون جدوى. من جهة أخرى، حاولت السلطات الصحراوية التدخل بيني و بين أبي (البيولوجي) للتوصل إلى اتفاق – من اجل البقاء في المخيمات- ، بالطبع لم أقبل لأني أردت الخروج من هناك و بعجالة.
كيف استطعت الهروب داخل سيارة أخذتك من داخل المخيمات؟
كنت مع شخص أثق به كثيرا.
هل طلبت منه ذلك؟
نعم. وكان لديه عدة أيام للتفكير، ولم أكن قد خططت للهروب في ذاك اليوم بالذات، و كانت الفرصة سانحة للهروب.
وكيف حدث ذلك؟
كنت لوحدي...والدتي كانت خارج البيت، و كانوا واثقين من أن لا احد يمكنه أن يقترب مني، في تلك اللحظة اتصلت بذلك الشخص.
ثم أخذك على متن سيارته؟
نعم. كنت فقط بحاجة للوصول إلى مدينة تندوف.
كم هي المسافة التي استغرقت للوصول إلى تلك المدينة؟
نصف ساعة بالسيارة.
في الطريق، هل كنت على متن السيارة في وضع طبيعي أم اضطرت إلى الاختباء؟
اضطررت للاختباء على أرضية السيارة لمغادرة المخيمات حتى لا يراني الجيران، بعدها اجتزنا مركز المراقبة للشرطة.
ولم يتحدث إليك أي أحد؟
الذي ساعدني هو ارتدائي للباس الصحراوي التقليدي "ملحفة" حيث يمكنك تغطية الرأس و جزء من الوجه.
هكذا وصلت إلى مدينة تندوف و بعدها إلى الدرك الجزائري.
نعم. اضطررت إلى الانتظار بضع ساعات إلى حين مجيء المفتش، إذ لم يكن بإمكاني الخروج من دون رخصة ، و كانوا يعرفون بالفعل من أنا... تحدث إلي ذلك المفتش و قام بالتحقيق معي حول ما يحدث ثم طلب مني أن أتنازل عن تلك الشكاية ضد عائلتي التي تتعلق بالخطف. هكذا فعلت.كل ما طلب مني.
وبعد تنازلت عن تلك الشكاية ماذا فعلت؟
أخذت الطائرة ووصلت إلى الجزائر العاصمة.
كل تلك الجهود التي بذلت للوصول إلى هنا، الم تتدخل وزارة الخارجية الاسبانية أو القنصلية لمساعدتك؟ أم أن هروبك كان من تلقاء نفسك؟
نعم، لأنه لم يكن لدي أي اتصال مع أي شخص.
يا للجرأة.. !!
حقيقة هناك من له الجرأة لفعل ذلك، لكن كنت اشكك في نفسي أني لا استطيع الهروب..
كيف كنت تقضين الوقت في المخيمات؟
كنت أفكر..
في ماذا؟
كانت عائلتي تحاول دمجي في المجتمع الصحراوي و ذلك بدفعي للخروج مع الفتيات و الاجتماع معهن، لكن دائما كان هناك أحد أقاربي حاضرا معي. وهذا الأمر لم يكن ينسيني الحالة التي كنت أمر بها في المخيمات.
لهذا أحسست بالملل.
أحيانا كنت أقرأ، لكن بالنسبة لهم لا يبدو أمرا جيدا القراءة باللغة الإنجليزية أمام الناس.
لماذا؟
عندما أنعزل لوحدي للقراءة ، كان يفسر هذا الفعل باني لا ارغب في رؤية الضيوف التي تأتي للزيارة، وهذا يعطي انطباعا بأنه ليست هناك إمكانية للاندماج. كما لاحظت أن الرأي العام و ضغوطات المجتمع أثر بشكل كبير على والدي، لهذا اعتقد لولا تأثير الناس و تلك الضغوطات مثل : " احتفظ بابنتك. إنها ملكك !. لا أحد لديه الحق ليأخذها منك ". لسمحوا لي بالرجوع إلى اسبانيا.
هل هذا يزيد الأمر تعقيدا؟
كل ذلك الضغط أثر فعلا على والدي و أنا اعلم جيدا أنهم يحبونني و لا يتمنون لي أي مكروه ليصيبني. كنت أكرر لهم دائما: " تعلمون أن احتفاظكم بي يعني تدمير مستقبلي... لقد قضيت اثني عشر عاما من اجل الدراسة، من اجل ماذا؟ ". و أصررت أيضا على أني تلقيت تكوينا بهدف مساعدتهم.
هناك شيء واحد من الصعب فهمه. كيف بدأت هذه القصة؟ لماذا قرر والديك احتجازك بالمرة هناك؟
كنت أطرح نفس السؤال على نفسي. والدي كانا يخشيان دائما من أني سأبقى في اسبانيا و لن أعود إلى المخيمات، خصوصا بعد حصولي ، في سن 18 سنة، على الجنسية الاسبانية، كانوا يريدون قضاء وقت طويل معي...بعدها بدا موقفهم يتسم بالليونة: " نحن نحبك، أمضينا وقتا طويلا من دون رؤيتك، و نريد أن تكوني دائما تحت أعيننا لرؤيتك"... صراحة، هذا جميل، لكن غير معقول في نفس الوقت. بدوري أحبهم، لكني لا أريد البقاء هناك، لكن ليس لهم الحق في إرغامي على البقاء..هذا لا معنى له.
ألا تعتقدين أن ذلك ربما هو رد فعل من جراء رؤية صور لك على صفحات الفيسبوك و التي فيها يظهر لهم انك تعيشين حسب نمط الحياة الغربية ؟
هذا ليس صحيحا. لست الفتاة الصحراوية الوحيدة التي تعيش خارج المخيمات، و هناك العديد من الصحراويين من يعيشوا حسب نمط الحياة الغربية في اسبانيا. إذن كيف تتصور نمط عيش شخص بعد اثني عشر عاما في الغرب؟
هل تعتقدين أن هذه الحالة يمكنها أن تأثر في بعض الصحراويين الذين يعيشون في اسبانيا و يريدون رؤية عائلتهم في المخيمات؟
لا أعرف! هذا الأمر هو مشكلة عائلية محضة. إنها قضية تعود بالأساس إلى نمط تفكير عائلتك، الأب و الأم، إنها قضية عائلية أكثر مما هي اجتماعية.
انطلاقا من هذا الحديث أرى أنهم ينظرون إلى الأبناء و كأنهم ملكية، الشيء الذي لا نراه هنا ( اسبانيا)
هناك، الأمور جد مختلفة. إنها ثقافة أخرى، عالم آخر. و ما يقرأ في الكتب أو ما نراه على شاشة التلفزيون ليس هو ما نعيشه. لذا عندما نعيش الواقع نرى أن هناك اختلافا جد كبير بين الثقافتين.
أعرف أن الإجابة عن هذا سؤال صعب لكن: هل تكنين مقتا لوالديك البيولوجيين حول ما حدث؟
لا.
لا؟... أنت قادرة على تفهم ما قاما به؟
إذا دخلت في عقلي والدي و في النظام الاجتماعي الذي يعيشان فيه، حيث يجب على الأبناء تنفيذ ما يرغب فيه آبائهم، هنا ستفهم. لذلك لا يمكنني أن أكن ضغينة ضدهم.. بل على العكس تماما.
كيف تصنفين المغرب في مجال حقوق الإنسان؟
لقد أحرز المغرب تقدما مهما في مجال حقوق الإنسان وخاصة في عهد هذا الملك الشاب و هذا مايزيد تعقيدا للقضية الصحراوية
هل أنت مع الحكم الداتي أم تقرير المصير ؟
سؤال صعب لكن من وجهة نظري على الصحراويين أن ينتبهوا جيدا لسياسات الدول ولا يعطوا فرصة لتكلم بدلهم بدون أن يخدموا أجندات و مصالح أخرى هم في غنا عنها ،مصير الشعوب بأديهم